وادي عبقر أرض شُعراء الجن | تحدي الله لشعراء الجن والإنس

 


شَرِيكَانِ فيما بَيْنَنا مِنْ هَوَادَة ٍ، صفيّانِ جنِّيٌّ، وإنسٌ موفَّقُ

لما بُعث الرسول عليه الصلاة والسلام , وواجه قريش وتلى عليهم آيات من القرآن الكريم
اهل قريش كلهم صُدموا من اللي بيسمعوه و"أغاظهم" ما جاء به ( مُحمد ) لـ3 اسباب هختصرهملك سريعاً

السبب الاول
كان المعروف عن قريش ان لهجتهم ولغتهم كانت السائدة في زمنهم وكانوا بيختاروا من اللغات أحسنها وكانت لُغة قُريش مزيجاً من لُغات العرب؛ تأخذ من أحسن اللُغات القريبة منها زي لغة ثقيف وهوازن وهُذيل وبني سعد، وبتاخد من لُغات القبائل الي بتيجي إلى مكة من أماكن بعيدة كلُغة تميم؛ فكان القُرآن بلُغة قريش؛ عشان يُناسب جميع لُغات القبائل وبطريقةٍ تعرفها جميع لُغات العرب , ومن حبهم الشديد في اللغة واللهجات والمعاني احترفوا الشعر لدرجة الهوس , كانوا بيتفاخروا امام بعض بالشعر وكان شيء مهم ومقدس جداً في ثقافتهم


والسبب الثاني
كان القرآن بيُتلى عليهم بلغة فصيحة جدا وبلسان عربي مبين ( يعني أي حد يتحدث العربية مهما اختلفت لكنته ولهجته ومعاني مفردات لغته يقدر يفهم القرآن ببساطة شديدة وده كان مزيج شديد الندره وقتها بل مفيش كتاب او شعر قدر يكون منافس للقرآن حتى في فصاحته ) لدرجة جعلت أكبر وأفصح رجال قريش وشعرائهم يتعجبوا, لانهم كانوا عارفين ان سيدنا مُحمد رجل أُمي ويجهل اللغات وفصاحتها فاصعب يحفظ ويتلوا لغة فصيحة مثل لغة القران على مسامعهم بالسلاسه والدقه والتلاعب بالمعاني والوصف بالدقة دي.
لذلك الشعراء وكبار قريش قالوا ان سيدنا محمد شاعر مجنون , او ممسوس , او ساحر لأن مفيش تفسير تاني منطقي في وجهة نظرهم للمعجزة دي!



السبب الثالث ( ركز كويس جدا )
لما قريش كذبت الرسول واتهموه بالسحر والجنون والشعر.. تحداهم الله تحدي صريح بالقرآن نفسه هما وكبارهم من الشعراء بالقرآن , وقالهم في سورة الطور

(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ) سورة الطور.
ولما كبار شعراء قريش مقدروش أنهم يكسبوا التحدي , تحداهم الله عز وجل للمره الثانيه وسهل عليهم التحدي وطلب منهم يأتوا بعشر سور بس زي القرآن
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ){13} سورة هود

وفشلوا للمرة الثانية في التحدي , فتحداهم الله عز وجل للمرة الثالثة وطلب منهم يأتوا بسورة واحدة بس زي القرآن
(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)سورة البقرة : 23
ويُكمل الله في الآية التالية
( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)سورة البقرة: 23

وللمرة الأخيرة فشلوا في التحدي ولكن المرة دي الله عز وجل أنزل آيات صارمة قوية بتتحدى الجن والإنس انهم يأتوا بمثل القرآن وقالهم أنهم مش هيعرفوا حتى لو اجتمعوا و تعاونوا سوا انهم يأتوا بمثله

( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) سورة الإسراء :17 .

ومن هنا بقى .. نبدأ قصتنا 


العرب كانوا بيؤمنوا في الجاهلية ان لكل شاعر قرين من الجن بيُلقنه الشعر ويساعده على كسب شهرته الواسعة بين كبار الشعراء ومجالس العرب والايمان ده بالنسبالهم مكنش مجرد خرافه او اسطورة ملهاش اصل ولا دليل بل كان لها شواهد كتير جداً

زي انهم عرفوا اسماء كبار الجن اللي بيلقنوا الشعراء الشعر , وهتتفاجىء لما تقرأ اسماء أشهر الشعراء اللي تعرفهم بينهم كمان

لافظ بن لاحظ كان قرين امرؤ القيس
جالد بن ظل قرين عنترة بن شداد
مسحل السكران بن جندل قرين الأعشى
السفاح بن الرقراق قرين الحارث بن مضاض
هاذر بن ماهر قرين النابغة الذبياني

لحد هنا الموضوع يبدو غريب , لكن الأغرب ان الشعراء بنفسهم كانوا بيعلنوا عن اتفاقياتهم مع الجن واوصافهم وافعالهم وبيحبوا يذكروا عهدهم واسماء الجن اللي بيلقنهم في ابياتهم لأنه شرط من شروط الاتفاقية اللي بينهم 


يعني هتلاقي مثلا امرؤ القيس بيقول: تخيرني الجن أشعارها فما شئت من شعرهن اصطفيت
ويقول الأعشى وقرينه اسمه ( مسحل ) :
فما كنتُ ذا شِعر ولكن حسبتَني
إذا (مِسْحَلٌ) يُسدي ليَ القولَ أَنْطِقُ
شَريكانِ فيما بيننا من هَوادَةٍ
صَفِيّانِ: إنسيٌّ وجِنُّ موفَّقُ
معنى البيت: انه لم يكن شاعر ولا يفقه في الشعر شيئاً وإذا ألهمه مسحل ماينطق به من شعر تحدث به لأنهما شريكان وبينهما عهد
وفي ابيات كتير بتتكلم عن الجن وازاي بيسقوا الشعراء من شعر الجن! 


وفي ابيات كتير بتتكلم عن الجن وازاي بيسقوا الشعراء من شعر الجن!

العرب كانوا بيؤمنوا ان الجن ده بيأتي من مكان يُدعى " وادي عبقر " وهو وادي سحيق مختبىء عن انظار البشر في اليمن في قلب الصحراء لذلك كان بيُطلق على الشاعر زمان وصف " عبقري ".. وكان بالفعل بيذهب للوادي ده الشعراء عشان يعملوا اتفاقيه وعهد بينهم وبين الجن . وكان شائع بين العرب ان الرجل إذا نام في الوادي خرج له الجن وبدأ عهده معهم

وبيحكي المؤرخين القدماء قصص حصلت وتناقلت في الجاهلية عن الوادي ده 


في يوم خرج مجموعة من الرجال إلى الصحراء مسافرين , وكان الوقت ليل ومكنش معهم غير الدليل ( وهو رجل يعرف الصحراء وبيرشدهم في طريقهم )
وكان الدليل اسمه ابن سهم الخشب , وبعد وقت .. ضل الدليل طريقه ومبقاش عارف هما ماشيين فين بسبب الظلام والرؤية الضعيفة

وفجأة في قلب الظلام توقف ابن سهم الخشب وقال بصوت عالي يرجف
" واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى .. قفوا!! نحن على حافة وادي عبقر!! "

وأشار بأصابعه لقلب الوادي بين كثبان رمال كثيفة .. وفي لحظه من السكون
بدأت الإبل اللي كانوا راكبين عليها تصدر تصرفات غريبه وتحاول تهرب منهم
وكانوا مش فاهمين ايه اللي بيحصل .. لحد ماشافوا من بين الكثبان الرملية كائن طويل , أطول حتى من الابل بتاعتهم ..هيئته هيئة انسان 


يركب ضهر " ظليم وهو ذكر النعام " مربوط بحبل من الكتان , بيوصف الرجال المشهد وبيقولوا انهم خافوا منه حتى الابل اللي كانوا راكبينها كانت بتنتفض رعباً وبتنفر منه
وأقسموا انهم شافو ضهره عاري مُغطى بنمش ( اخضر يشبه الطحالب اللي بتظهر على صخور البحر )
ووقف بعيد عنهم والتف حواليهم بحيوانه .. وبعدها وقف لمدة قصيرة بينظر لهم بدون حركة
وقال للدليل: " يا ابن سهم الخشب: من أشعر العرب؟ "

الدليل كان خايف جداً لدرجه انه مقدرش ينطق ولا يرد
فقاله الكائن : أشعرهم من قال
وما ذرفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي
بعينيكِ في أعشارِ قلبِ مقتـلِ

ففهموا كلهم أنه يقصد امرؤ القيس وبيتكلم عنه
فرد عليه الدليل وهو خائف : واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى .. من انت؟!
وفضل يتراجع للخلف حتى كاد انه يقع على ضهره من الخوف

فقال الكائن: " أنا لافظ بن لاحظ، من كبار الجنِّ، لولاي لما قال صاحبكم الشعر! "
ومشي وهو بيضحك بسخرية عليهم وعلى خوفهم منه , وفضل الدليل واقف مذهول وفي حالة صدمة لحد ما اختفى الكائن تماماً وسط الظلام .. الرجال سألوا الدليل ايه اللي شفناه ده ؟
وايه اللي قاله ده يقصد بيه ايه ؟

فقال لهم الدليل : هذا لافظ بن لاحظ , شيطان امرؤ القيس الذي يمليه الشعر. 


إحدى القصص الأخرى كانت على لسان رجل يُدعى مظعون بن مظعون الأعرابي
بيقول انه كان في يوم جالس في فناء خيمته واتفاجىء بشخص واضح عليه انه مسافر ومن الشام بيقترب منه وسلم عليه وسأله :" هل من مبيت ؟ " يعني ينفع ابات هنا ؟
فاستضافه مظعون بالرحب والسعة وطلب منه ياخد راحته .. فربط بعيره ( الابل بتاعه ) وحضر مظعون العشاء وقعدوا يتعشوا سوا وبعدها قام الرجل المسافر يصلي لحد ما الوقت اصبح ليل حالك , وفي الوقت ده كان مظعون قاعد مع اطفاله بيعلمهم الشعر وبيسمعهم شعر
" النابغة الذبياني " , فجأة خرج المسافر من صلاته والتفت لمظعون وقاله فكرتني بالشعر ده حاجه احكيلك عنها حصلتلي من 3 ايام وانا مسافر , فطلب مظعون من أطفاله يجلسوا ويستمعوا للرجل وقال له إحكي
وبدأ يحكي له انه سلك طريق اثناء سفره مفيهاش أنيس ولا ونيس ومشي في طريقة لمدة طويله بدون ملامح لأي بشر او مساكن , وإذ فجأة شاف نار , فتوجه ليها على الفور , وشاف خيمه وكان قاعد في فناءها شيخ كبير في السن وكان معاه صبيان صغار , فسلم على الشيخ وربط الابل بتاعه في مكان قريب وقال يجلس مع الشيخ يؤنسه شويه قبل مايكمل رحلته
وسأله :" هل من مبيت " فقاله الشيخ :" على الرحب والسعة " 


واحضرله شيء يجلس عليه معه وقعدوا يتعرفوا على بعض وسأله الشيخ عن جنسيته فقال المسافر : حميري شامي , يعني أنه له نسب من الشام وجزيرة العرب
وحياه الشيخ وانسجموا في الكلام وفضلوا يتسايروا لمده طويلة جداً , لحد ما المسافر سأل الشيخ وقاله : أتروي من أشعار العرب شيئا؟
فقاله الشيخ: نعم، سل عن أيها شئت!
فقال المسافر: أنشدني للنابغة!
رد الشيخ : أتحب أن أنشدك من شعري أنا؟
فوافق المسافر , ولكنه تفاجىء واستغرب لما لقى الشيخ قاعد يقول اشعار معروف انها كلمات لشعراء مشهورين زي امرؤ القيس والنابغة و عبيد بن الأبرص والأعشى
وقال للشيخ : لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمان طويل.
فسأله الشيخ : للأعشى؟
قال : نعم
فرد الشيخ : فأنا صاحبه.
فسأله المسافر باستغراب : ما اسمك؟
رد الشيخ: مسحل السكران بن جندل

فعرف المسافر فوراً ان الشيخ من الجن وهو بيحكي لمظعون القصة قاله انه بات ليله لا يعلم بها الا الله من شده الخوف . 


في قصص كتير كمان حكاها العرب وسجلها المؤرخين على لسان ناس كتير زي مطرف الكناني عن ابن دأب وقصة العلاء بن ميمون الآمدي عن قصة حدثت لأبيه وبعض الشعراء ذكروا اوصاف الجن .. البعض قال ان عيونهم وايديهم تخرج منها النار .. والبعض قال انهم بيشبهوا الدخان الأسود .. والبعض قال ان كانوا بيتجسدوا في شكل حيوانات غريبة لذلك مظاهرهم تبدو غريبة.. وفي شواهد كتير على مدى شهره الموضوع بين الشعراء من الجن والعرب قديما.


لكن الموضوع مقتصرش على الجاهلية فقط! الموضوع امتد لفترة اطول من كده بكتير
لحد عصرنا , أدباء وشعراء كانوا معترفين بعلاقة الجن بالشعر , والعهد بين الجن والانس لإلقاء الشعر

مثلا الأديب اللبناني جورجي زيدان بيقول ان العرب زمان عرفوا نوعين من الجن

النوع الأول: الهوجل , وهو نوع معروف بأن شعره رديء وضعيف وقافيته سيئه
والنوع الثاني: الهوبر , وهو نوع معروف بالمعاني الفصيحه والأشعار القوية 


وعندك الشاعر احمد شوقي اللي عنده قصائد بتتكلم فقط عن الجن واوصافهم ..
لما كان احمد شوقي بيكتب مسرحيته الشعرية المشهورة ( مجنون ليلى ) في قصة قيس بن الملوح الشاعر المشهور , وظف احمد شوقي فكرة شعراء الجن في مشهد من مشاهد المسرحية , وكان بيتخيل فيه ان في جن من الشعراء بيتحاورو .. وأطلق على المشهد والأبيات اسم ( نشيد الجن )

وله قصائد تانيه بإسم " أعفريت من الجن " , " جن على حرم السماء أغاروا" 


, حتى الشاعر ناصر الفراعنة بيقول في قصيدته " ملوك الجن "

( عرفت ملوك الجن ريح عمامتي .. ونكحت منهم سبعة وثمانية .. ودفنت قرطاً في صفيحة قرمد .. وشربت من دمِ ذي الصواع بآنية )

وبيوصف ناصر في الأبيات ازاي يلقن الجن أشعاره

بعض المؤرخين المعاصرين قالوا ان العرب كانوا بيقللوا من شأنهم وعايزين ينسبوا اشعارهم لقوى أعظم من قوى البشر .. لكن مش كل الناس اتفقت على الرأي ده وشافوا ان الشواهد كلها بتقول انهم كانوا معترفين بعلاقة الجن والانس وازاي الانسان ممكن يستعين بالجن عشان يكتسب بعض الصفات او المهارات الخارقه اللي بتميزه عن باقي البشر. 


رغم ان الموضوع قد يبدوا وكأنه اقرب للأسطورة .. ولكن هل كانت حقيقة مش اسطورة؟ هل صعب على تفكيرنا احنا اننا نصدق ؟
هل للسبب ده تحدى الله عز وجل الانس والجن بالقرآن ؟
وهل للسبب ده نزلت سورة كاملة بإسم الشعراء في القرآن المقصود بيها الكفار وشعراء قريش والعرب المهووسين بالشعر وتأكيداً من الله عز وجل ان الرسول جاء بكتاب مبين عظيم من رب العالمين ولا يستطيع أن يأتي بمثله من الجن والبشر ؟

وهل لنفس السبب ربنا عز وجل قال في سورة الشعراء : (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) آية ﴿224﴾
ويكمل الله عز وجل في الآية التالية: (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ) آية ﴿225﴾

ويقول الله في سورة الحاقة: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ ) آية 41

اسأله كتير والله اعلى واعلم بحقيقتها .. لو حابب تعرف أكتر عن القصة هتلاقي كل شيء مسطور ومدون في القرآن الكريم نفسه في سورة الشعراء .. ومش هتلاقي أفضل من القرآن مصدر وعبره

وبكده خلصنا قصتنا .. اتمنى تدعم المجهود بالشير .. والحمد لله الذي جعل القرآن نوراً للمهتدين. 

تعليقات

المشاركات الشائعة